لقد مضى عهد الرهان على العمليات العسكرية وحدها، وبرز رهان جديد يتمثّل في الرغبة في التحكّم في البنى الذهنيّة من خلال نشر الصور والمعلومات، والفيديوهات، والأغاني، والأناشيد التي تضطلع بدور في تحديد معتقدات المتقبّلين، ومواقفهم بل وحتى أذواقهم وسلوكهم. وقد ساعدت الثورة التكنولوجية المتنامية وما صاحَبَتها من الانعكاسات السلبية الخطيرة جرّاء سوء استخدام هذه التقنية المتطورة. ومن بين تلك الانعكاسات المستحدثة، ظاهرة الجريمة السيبرانية cyber crime والإرهاب السيبراني اCyber Terrorism أو الإرهاب الالكتروني وقد تصاعدت مخاطر الإرهاب والجريمة السيبرانية في ظل البيئة الافتراضية التي تمثلها شبكة المعلومات الدولية )الإنترنت( واسعة الانتشار، ما أفرز نوعاً جديداً من الجرائم العابرة للقارات، التي لم تعد مخاطرها أو آثارها محصورة في النطاق الإقليمي لدولة بعينها، الأمر الذي بات يثير بعض التحديات القانونية أمام الأجهزة المعنية بمكافحة الجريمة، ولاسيما فيما يتعلق بإثبات هذه الجرائم..
ويُظهر تاريخ الجرائم السيبرانية أنها اكتشفت بمحض المصادفة، كما أن الدليل المرئي عليها غائب دائماً. فأدلة هذه الجرائم تتمثل في بيانات غير مرئية لا تفصح عن شخصية مرتكبيها، كما أن الوصول إلى مرتكبيها يكون في غاية الصعوبة؛ نظراً إلى عدم وجود دليل تقليدي على إدانة شخص معين أو تعقّبه. كما يسهل محو البيانات غير المرئية أو تدميرها بكل سهولة وفي زمن قصير جداً، ما يُصعّب على جهات التحقيق الفنية تتبّع أثر الجريم.
ولعل ابرز مظاهر الخطر القادم من الشبكة الانترنت هو استخدام الجماعات الجهادية والتنظيمات التكفيرية والارهابية لمواقع التواصل الاجتماعي في عملية الدعاية وتجنيد الشباب لها كذلك في الحرب النفسية من خلال بث رسائل الخوف والفزع عبر افلام عالية التكاليف، وهو ما جعل مجلة "فوربس" الأمريكية، في تقرير لها تدعى ان أن شركات أمريكية مثل "تويتر" و"فيس بوك" و"جوجل" و"آبل" و"مايكروسوفت" و"ياهو" والخدمات الشعبية الأخرى بما في ذلك "يوتيوب" وتطبيقات "واتس آب" و"سكايب" و"انستجرام"، تسهل "الجهاد العالمي".
ويأتي ذلك بعد وصف مدير الاتصالات الحكومية في المملكة المتحدة، روبرت هانيجان، "أكبر شركات التكنولوجيا الأمريكية"، كشبكات للقيادة والسيطرة للإرهابيين في نوفمبر الماضي، فقد قال هانيجان "لعقد من الزمن تقريبا، ساعدت تلك الشركات تنظيم القاعدة، وتساعد الآن تنظيم داعش لجمع التبرعات والتجنيد، والتلقين، وتدريب الإرهابيين الجدد، ويصلنا كل يوم تقريبا المزيد من الأخبار عن اعتقال الشباب الغربيين لنشاطهم الإرهابي وتخطيطهم لشن هجمات، أو محاولة للسفر إلى الشرق الأوسط للانضمام الى منظمة ارهابية.
ونوهت المجلة إلى أن تنظيم داعش أدرك فعالية وسائل التواصل الاجتماعية، حيث تقف شركات التواصل الإجتماعي الأمريكية في قلب كل هذه الحالات، وبلغت الأحداث ذروتها في قرار التنظيم الإستراتيجي بإظهار شريط فيديو يصور قطع رأس الصحفي الأميركي جيمس فولي، في 19 من أغسطس 2014، وتحميل الفيديو أولا على "يوتيوب" ثم التغريد بلقطات متعاقبة تظهر قطع حنجرته بالسكين، وإزالة رأسه، ووضع رأسه المقطوع على جسده الهامد، حيث ولد هذا العمل زلزالا في وسائل التواصل الاجتماعي، وباتت الآلاف من تلك التغريدات فيروسات.
لكن هل يمكن لشركات مواقع التواصل الاجتماعي تنظيم تلك العملية ما يحول من تنامي ظاهرة الارهاب الالكتروني؟
لقد تعاظم النقاش حول إمكانات تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي بالتوازي مع تنامي استخداماتها وتنوعها ومن الصعوبات التي تطرحها الميديا الاجتماعية أنها منفتحة على عدة فاعلين ومتعالية على الحدود الجغرافية، كما أنها تدمج عدة تكنولوجيات )صور، نصوص، فيديوهات(، ومن أهم المشاكل التي يطرحها تنظيم الميديا الاعلام الجديد في مجال الإرهاب حماية الحريات الخاصة وتحقيق التوازن بين حرية التعبير والرأي من جهة ومكافحة الإرهاب والعنف والإجرام من جهة أخرى.
لكن وأمام تعاظم الدعوات لمكافحة استخدامات التنظيمات الإرهابية للميديا الاجتماعية أعلن موقع فايسبوك للمعايير التي تنظّم ما ينشر على الموقع والتي يطلق عليها “معايير مجتمع الفايسبوك” ‘ .’community standards وتشمل هذه المعايير الجديدة قضية «التنظيمات الخطرة » التي يمنع الفايسبوك وجودها في الموقع، إذ تشير المعايير إلى أنه «غير مسموح بتواجد أيّ مؤسسات لها علاقة بأيّ مما يلي على فيسبوك: نشاط إرهابي، أو نشاط جريمة منظمة ». كما يقوم الموقع « بإزالة المحتوى الذي يدعم مثل تلك المجموعات المشاركة في ذلك السلوك العنيف أو الإجرامي ». كما تمنع المعايير الجديدة «دعم أو مدح قادة تلك المؤسسات . وتشير المعايير الجديدة إلى أن فايسبوك «يرحب بالنقاش العام والتعليق الاجتماعي على مثل تلك الموضوعات العامة، لكننا نطالب هؤلاء الأشخاص أن يُظهروا تعاطفهم مع ضحايا العنف والتمييز28.
كما قام موقع توتير انطلاقا من سبتمبر 2014 بغلق حسابات مناصرين تنظيم داعش. وفي المقابل فإن الحسابات التي تم إغلاقها، حسب دراسة مؤسسة The Brookings Project لم تؤثر بشكل حاسم على أنشطة تنظيم داعش في الميديا الاجتماعية. وأشارت الدراسة في هذا الإطار إلى أن عددا من المخاطر يمكن أن ينشأ عن عملية غلق الحسابات ومنها عزل الذين يحاولون الانخراط في شبكات داعش وتعطيل الضغوط الاجتماعية التي يمكن أن تساهم في إخراجهم من صيرورة التطرّف.
تعليقات: 0
إرسال تعليق