-->

تحلیل مضمون الخطاب الاتصالي سوسیولوجیا فھم الآخر

تحلیل مضمون الخطاب الاتصالي سوسیولوجیا فھم الآخر

كلنا نمارس (تحليل المضمون) لأننا في كل الأحوال (مرسلون) أو (متلقون). إذ حتى إذا لم يكن الآخر موجوداً، فان عملية الحوار مع ذواتنا مستمرة. ونحن –في كل لحظة من حياتنا- نحاول أن (نفهم) ما يقوله الآخرون. وعملية الفهم هذه ليست ميكانيكية، بل هي نتيجة محاوله نقوم بها لتحليل خطاب الآخر، والتعرف على معاني رموزه، لكي نستطيع أن نتفاعل معها سلباً أو إيجاباً. إن كثيراً من مشكلات الإنسان في حياته اليومية ناجم عن سوء (الفهم) أي عن سوء استخدامه (للتحليل) ولهذا أسباب عديدة، فالإنسان حين (يحلل) لا يكون موضوعياً بالضرورة، ولذلك فإن معاني (المضمون) الذي نقرأه بعيوننا ونسمعه بآذاننا، ونحلله بعقولنا، لا تنفصل بالنهاية عن
ذواتنا. والعلم في أحد معانيه هو محاولة منظمة وعقلانية، لجعل الموضوع مستقل عن الذات، وهذه المحاولة مازالت حتى اليوم إحدى إشكالات علوم الإنسان والمجتمع ممثلة فيما يسمى بالموضوعية. والواقع إن تداخل الذات مع الموضوع يشكل البعد التاريخي
لعلومنا. فالذات تبدأ بالميثولوجيا وبالميتافيزيقيا، كمرجعيات للتفسير، قبل أن تصل إلى العلم، وفي مرحلة ما تتداخل مرحلة العلم بمرحلة ما قبل العلم. ولذلك فان كل علوم الإنسان والمجتمع تفصح في مسيرتها عن (مرحلة ما قبل). ثم تصل-إن وصلت- إلى مرحلة العلم الحقيقي. ولذلك –وكما سنشير فيما بعد– فإن طريقة تحليل المضمون لم تظهر فجأة. بل إن جذورها تمتد إلى محاولات عديدة للفهم بعضها شائع في حياتنا اليومية وبعضها الآخر كان أكثر تنظيماً وموضوعية.
اليوم تلعب عملية الاتصال دوراً هاماً في استمرار الأنساق الاجتماعية. وفي تحديد منزلات الأفراد وأدوارهم ومن ثم فإن دراسة تلك العملية توفر جانباً من الإجابة المطلوبة عن إمكانية قيام واستمرار النظام الاجتماعي وعن نمو الشخصية وأداءها المختلفة. وفي عالم أصبحت (Cultural) لوظائفها في السياقات الاجتماعية والثقافية المعلومات ثروته قبل رأس المال المادي، وأصبح بحكم وسائل الاتصال المتطور قرية صغيرة بالمعنى الافتراضي وغير المكاني للجغرافيا، لكنه، مجزأ ومتباعد بالمعاني الثقافية. بل ومعاد لبعضه البعض، حتى صار الحديث عن حرب الثقافات مقبولا، وفي مثل هذا العالم لم تعد الجدران، ولا سلطة الأب، بل ولا الثقافة المحافظة السائدة، تشكل حصانة تحول دون اختراق يقوم به الآخر. وفي اعتقادي إن هناك علاقة طردية بين مدى قدرتنا على فهم الآخر. وبين قدرته على اختراقنا. ولاشك إن احد أهم أوجه فهمنا للآخر يتمثل في فهمنا لخطابه. وهذا الفهم ينبغي أن يقوم على أساس علمي موضوعي وليس على أساس تصورات نمطية مسبقة فيها من (التطمين الكاذب) للعقل، أكثر مما فيها من الاستفزاز والتحذير والكشف. إن وسائل الاتصال الجماهيري (الراديو/التلفزيون/شبكة الانترنيت وغيرها) تستخدم اليوم كأسلحة خفية تارة، ومعلنة تارة أخرى. ففي تقرير أذاعته (مونت كار لو) أشير إلى إن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم في كل حرب تخوضها سلاحا جديدا. ففي الحرب العالمية الثانية استخدمت القنبلة الذرية ضد اليابان. وفي حرب كوريا وفيتنام استخدمت الأسلحة الكيماوية، وفي العراق استخدمت أكثر تكنولوجيات الاتصال تطورا. واليوم تطور الولايات المتحدة سلاح (اللغة) إذ من خلاله تستطيع أن تخترق (الآخر) قبل أن يخترقه سلاحها المادي. وهو أمر ليس بالجديد تماما فأن تتقن لغة الآخر يعني – كما في الحديث الشريف– أن تتقي شره.

إرسال تعليق